فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

وأما هو عليه الصلاة والسلام فجرى على سجايا الكرام بأن سكت سترًا عليها وتنزهًا عن ذكر الفحشاء، فكأنه قيل: فماذا قال حين قذفته بهذا؟ فقيل: {قال} دافعًا عن نفسه لا هاتكًا لها: {هي} بضمير الغيبة لاستيحائه عن مواجهتها بإشارة أو ضمير خطاب: {راودتني عن نفسي} وما قال ذلك إلا حين اضطرته إليه بنسبته إلى الخيانة، وصدقه لعمري فيما قال لا يحتاج إلى بيان أكثر من الحال الذي كانا فيه، وهو أنهما عند الباب، ولو كان الطلب منه لما كانا إلا في محلها الذي تجلس فيه، وهو صدر البيت وأشرف موضع فيه: {وشهد} ولما كان كل صالح للشهادة كافيًا، فلم تدع ضرورة إلى تعيينه، قال: {شاهد} أي عظيم: {من أهلها} لأن الأهل أعظم في الشهادة، رضيع ببراءته- نقله الرماني عن ابن عباس وأبي هريرة- رضى الله عنهما- وسعيد بن جبير، كما شهد للنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع صبي من أهل اليمامة يوم ولد بأنه رسول الله، فكان يدعي: مبارك اليمامة.
فقال ذلك الشاهد: {إن كان} أي حال المراوغة: {قميصه} أي فيما يتبين لكم: {قدَّ} أي شق شقًا مستأصلًا: {من قبل} أي من جهة ما أقبل من جسده: {فصدقت} ولابد من تقدير فعل التبين، لأن الشروط لا تكون معانيها إلا مستقبلة ولو كانت ألفاظها ماضية.
ولما كان صدقها ليس قاطعًا في منع صدقه، قال: {وهو من الكاذبين} لأنه لولا إقباله- وهي تدفعه عنها أو تهرب منه وهو يتبعها ويعثر في قميصه- ما كان القد من القبل: {وإن كان} أي فيما يظهر لكم: {قميصه} أي يوسف عليه الصلاة والسلام: {قدَّ من دبر} أي من جهة ما أدبر منه، وبنى: {قُدَّ} للمجهول للنزاع في القادّ: {فكذبت} ولما كان كذلك كذبُها في إرادته السوء لا يعين صدقه في إرادتها له، قال: {وهو من الصادقين} لأنه لولا إدباره عنها وإقبالها عليه لما وقع ذلك، فعرف سيدها صحة ذلك بلا شبهة، لأن معنى: {إن} هنا الشرط في جهة التقرير للمعنى الذي يوجب غيره لا على الشك، وقدم أمارة صدقها لأنه مما يحبه سيدها، فهو في الظاهر اهتمام بها، وفي الحقيقة تقرير لكذبها مرتين: الأولى باللزوم، والثانية بالمطابقة.
ولما كان المعنى: فنظر، بنى عليه قوله: {فلما رءا} أي سيدها: {قميصه} أي يوسف عليه الصلاة والسلام: {قدَّ من دبر قال} لها وقد قطع بصدقه وكذبها، مؤكدًا لأجل إنكارها: {إنه} أي هذا القذف له: {من كيدكن} معشر النساء؛ والكيد: طلب الإنسان بما يكرهه: {إن كيدكن عظيم} والعظيم: ما ينقص مقدار غيره عنه حسًا أو معنى، فاستعظمه لأنه أدق من مكر الرجل وألطف وأخفى، لأن الشيطان عليهن لنقصهن أقدر، وكيدهن الذي هو من كيد الشيطان أضعفُ ضعيف بالنسبة إلى ما يدبره الله عز وجل في إبطاله؛ ثم قال العزيز آمرًا له عليه السلام مسقطًا لحرف النداء دلالة على أن قربه من قلبه على حاله: {يوسف أعرض} أي انصرف بكليتك مجاوزًا: {عن هذا} أي اجعله بمنزلة ما تصرف وجهك عنه إلى جهة العرض بأن لا تذكره لأحد ولا تهتم به، فإني لم أتأثر منك بوجه، لأن عذرك قد بان، وأقبل إليها فقال: {واستغفري} أي اطلبي الغفران: {لذنبك} في أن لا يحصل لك عقوبة مني ولا من الله؛ واستأنف بيان ما أشار إليه بقوله: {إنك كنت} أي كونًا جبليًا: {من الخاطئين} أي العريقين في الخطأ بغاية القوة، يقال: خطئ يخطأ- إذا أذنب متعمدًا. اهـ.

.قال الفخر:

{قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}
واعلم أن المرأة لما ذكرت هذا الكلام ولطخت عرض يوسف عليه السلام احتاج يوسف إلى إزالة هذه التهمة فقال: {هي راودتني عن نفسي}، وأن يوسف عليه السلام ما هتك سترها في أول الأمر إلا أنه لما خاف على النفس وعلى العرض أظهر الأمر.
واعلم أن العلامات الكثيرة كانت دالة على أن يوسف عليه السلام هو الصادق: فالأول: أن يوسف عليه السلام في ظاهر الأمر كان عبدًا لهم والعبد لا يمكنه أن يتسلط على مولاه إلى هذا الحد والثاني: أنهم شاهدوا أن يوسف عليه السلام كان يعدو عدوًا شديدًا ليخرج والرجل الطالب للمرأة لا يخرج من الدار على هذا الوجه، والثالث: أنهم رأوا أن المرأة زينت نفسها على أكمل الوجوه، وأما يوسف عليه السلام فما كان عليه أثر من آثار تزيين النفس فكان إلحاق هذه الفتنة بالمرأة أولى، الرابع: أنهم كانوا قد شاهدوا أحوال يوسف عليه السلام في المدة الطويلة فما رأوا عليه حالة تناسب إقدامه على مثل هذا الفعل المنكر، وذلك أيضًا مما يقوي الظن، الخامس: أن المرأة ما نسبته إلى طلب الفاحشة على سبيل التصريح بل ذكرت كلامًا مجملًا مبهمًا، وأما يوسف عليه السلام فإنه صرح بالأمر ولو أنه كان متهمًا لما قدر على التصريح باللفظ الصريح فإن الخائن خائف؛ السادس: قيل: إن زوج المرأة كان عاجزًا وآثار طلب الشهوة في حق المرأة كانت متكاملة فإلحاق هذه الفتنة بها أولى، فلما حصلت هذه الأمارات الكثيرة الدالة على أن مبدأ هذه الفتنة كان من المرأة استحيا الزوج وتوقف وسكت لعلمه بأن يوسف صادق والمرأة كاذبة، ثم إنه تعالى أظهر ليوسف عليه السلام دليلًا آخر يقوي تلك الدلائل المذكورة ويدل على أنه بريء عن الذنب وأن المرأة هي المذنبة، وهو قوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا} وفي هذا الشاهد ثلاثة أقوال: الأول: أنه كان لها ابن عم وكان رجلًا حكيمًا واتفق في ذلك الوقت أنه كان مع الملك يريد أن يدخل عليها فقال قد سمعنا الجلبة من وراء الباب وشق القميص إلا أنا لا ندري أيكما قدام صاحبه، فإن كان شق القميص من قدامه فأنت صادقة والرجل كاذب وإن كان من خلفه فالرجل صادق وأنت كاذبة فلما نظروا إلى القميص ورأوا الشق من خلفه، قال ابن عمها: {إِنَّهُ مِنَ كَيْدَكُن إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} أي من عملكن.
ثم قال ليوسف أعرض عن هذا واكتمه، وقال لها استغفري لذنبك، وهذا قول طائفة عظيمة من المفسرين.
والثاني: وهو أيضًا منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير والضحاك: إن ذلك الشاهد كان صبيًا أنطقه الله تعالى في المهد، فقال ابن عباس: تكلم في المهد أربعة صغار شاهد يوسف، وابن ماشطة بنت فرعون، وعيسى بن مريم، وصاحب جريج الراهب قال الجبائي: والقول الأول أولى لوجوه: الأول: أنه تعالى لو أنطق الطفل بهذا الكلام لكان مجرد قوله إنها كاذبة كافيًا وبرهانًا قاطعًا، لأنه من البراهين القاطعة القاهرة، والاستدلال بتمزيق القميص من قبل ومن دبر دليل ظني ضعيف والعدول عن الحجة القاطعة حال حضورها وحصولها إلى الدلالة الظنية لا يجوز.
الثاني: أنه تعالى قال: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا} وإنما قال من أهلها ليكون أولى بالقبول في حق المرأة لأن الظاهر من حال من يكون من أقرباء المرأة ومن أهلها أن لا يقصدها بالسوء والإضرار، فالمقصود بذكر كون ذلك الرجل من أهلها تقوية قول ذلك الرجل وهذه الترجيحات إنما يصار إليها عند كون الدلالة ظنية، ولو كان هذا القول صادرًا عن الصبي الذي في المهد لكان قوله حجة قاطعة ولا يتفاوت الحال بين أن يكون من أهلها، وبين أن لا يكون من أهلها وحينئذ لا يبقى لهذا القيد أثر.
والثالث: أن لفظ الشاهد لا يقع في العرف إلا على من تقدمت له معرفة بالواقعة وإحاطة بها.
والقول الثالث: أن ذلك الشاهد هو القميص، قال مجاهد: الشاهد كون قميصه مشقوقًا من دبر، وهذا في غاية الضعف لأن القميص لا يوصف بهذا ولا ينسب إلى الأهل.
واعلم أن القول الأول عليه أيضًا إشكال وذلك لأن العلامة المذكورة لا تدل قطعًا على براءة يوسف عليه السلام عن المعصية لأن من المحتمل أن الرجل قصد المرأة لطلب الزنا فالمرأة غضبت عليه فهرب الرجل فعدت المرأة خلف الرجل وجذبته لقصد أن تضربه ضربًا وجيعًا فعلى هذا الوجه يكون القميص متخرقًا من دبر مع أن المرأة تكون برية عن الذنب والرجل يكون مذنبًا.
وجوابه: أنا بينا أن علامات كذب المرأة كانت كثيرة بالغة مبلغ اليقين فضموا إليها هذه العلامة الأخرى لا لأجل أن يعولوا في الحكم عليها، بل لأجل أن يكون ذلك جاريًا مجرى المقويات والمرجحات.
ثم إنه تعالى أخبر وقال: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ} وذلك يحتمل السيد الذي هو زوجها ويحتمل الشاهد فلذلك اختلفوا فيه، قال: {إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ} أي أن قولك ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا من كيدكن إن كيدكن عظيم.
فإن قيل: إنه تعالى لما خلق الإنسان ضعيفًا فكيف وصف كيد المرأة بالعظم، وأيضًا فكيد الرجال قد يزيد على كيد النساء.
والجواب عن الأول: أن خلقة الإنسان بالنسبة إلى خلقة الملائكة والسموات والكواكب خلقة ضعيفة وكيد النسوات بالنسبة إلى كيد البشر عظيم ولا منافاة بين القولين وأيضًا فالنساء لهن في هذا الباب من المكر والحيل ما لا يكون للرجال ولأن كيدهن في هذا الباب يورث من العار ما لا يورثه كيد الرجال.
واعلم أنه لما ظهر للقوم براءة يوسف عليه السلام عن ذلك الفعل المنكر حكى تعالى عنه أنه قال: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا} فقيل: إن هذا من قول العزيز، وقيل: إنه من قول الشاهد، ومعناه: أعرض عن ذكر هذه الواقعة حتى لا ينتشر خبرها ولا يحصل العار العظيم بسببها، وكما أمر يوسف بكتمان هذه الواقعة أمر المرأة بالاستغفار فقال: {واستغفرى لِذَنبِكِ} وظاهر ذلك طلب المغفرة، ويحتمل أن يكون المراد من الزوج ويكون معنى المغفرة العفو والصفح، وعلى هذا التقدير فالأقرب أن قائل هذا القول هو الشاهد، ويحتمل أن يكون المراد بالاستغفار من الله، لأن أولئك الأقوام كانوا يثبتون الصانع، إلا أنهم مع ذلك كانوا يعبدون الأوثان بدليل أن يوسف عليه السلام قال: {مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار} [يوسف: 39] وعلى هذا التقدير: فيجوز أن يكون القائل هو الزوج.
وقوله: {إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخاطئين} نسبة لها إلى أنها كانت كثيرة الخطأ فيما تقدم، وهذا أحد ما يدل على أن الزوج عرف في أول الأمر أن الذنب للمرأة لا ليوسف، لأنه كان يعرف عنها إقدامها على ما لا ينبغي.
وقال أبو بكر الأصم: إن ذلك لزوج كان قليل الغيرة فاكتفى منها بالاستغفار.
قال صاحب الكشاف: وإنما قال من الخاطئين بلفظ التذكير، تغليبًا للذكور على الإناث، ويحتمل أن يقال: المراد إنك من نسل الخاطئين، فمن ذلك النسل سرى هذا العرق الخبيث فيك. والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

{قال هي راودتني عن نفسي}
لأنها لما برأت نفسها بالكذب عليه احتاج أن يبرئ نفسه بالصدق عليها، ولو كفت عن الكذب عليه لكف عن الصدق عليها.
{وشهد شاهد من أهلها} لأنهما لما تعارضا في القول احتاج الملك إلى شاهد يعلم به صدق الصادق منهما من الكاذب، فشهد شاهد من أهلها، أي حكم حاكم من أهلها لأنه حكم منه وليس شهادة.
وفيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه صبي أنطقه الله تعالى في مهده، قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن وسعيد بن جبير والضحاك.
الثاني: أنه خلق من خلق الله تعالى ليس بإنس ولا جن، قاله مجاهد.
الثالث: أنه رجل حكيم من أهلها، قاله قتادة. قال السدي وكان ابن عمها.
الرابع: أنه عنى شهادة القميص المقدود، قاله مجاهد أيضًا.
{إن كان قميصُه قد مِن قُبل فصدقت وهو من الكاذبين}
{وإن كان قميصه قد من دُبر فكذبت وهو من الصادقين} لأن الرجل إذا طلب المرأة كان مقبلًا عليها فيكون شق قميصه من قبله دليلًا على طلبه. وإذا هرب من المرأة كان مدبرًا عنها فيكون شق قميصه من دبره دليلًا على هربه.
وهذه إحدى الآيات الثلاث في قميصه: إن كان قُدَّ من دبر فكان فيه دليل على صدقه، وحين جاءوا على قميصه بدم كذب، وحين ألقي على وجه أبيه فارتدّ بصيرًا.
{فلما رأى قميصه قُدَّ من دُبُرٍ قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم} علم بذلك صدق يوسف فصدّقه وقال إنه من كيدكن.
وفي الكيد هما وجهان:
أحدهما: يعني به كذبها عليه.
الثاني: أنه أراد السوء الذي دعته إليه.
وفي قائل ذلك قولان:
أحدهما: أنه الزوج، قاله محمد بن إسحاق.
الثاني: أنه الشاهد، حكاه علي بن عيسى.
قوله عز وجل: {يوسف أعرض عن هذا} فيه وجهان:
أحدهما: أعرض عن هذا الأمر، قال قتادة: على وجه التسلية له في ارتفاع الإثم.
الثاني: أعرض عن هذا القول، قاله ابن زيد على وجه التصديق له في البراءة من الذنب.
ومثله في الضعف والبعد القول الثانى: أنه خلق من خلق الله تعالى ليس بإنس ولا جن، فماذا يكون إذن.؟؟!!!. هذه أقوال مردودة لا تخفى على المتأمل. والله أعلم.
{واستغفري لذنبك} هذا قول الملك لزوجه وهو القائل ليوسف أعرض عن هذا. وفيه قولان:
أحدهما: أنه لم يكن غيورًا فلذلك كان ساكتًا.
الثاني: أن الله تعالى سلبه الغيرة وكان فيه لطف بيوسف حتى كفى بادرته وحلم عنها فأمرها بالاستغفار من ذنبها توبة منه وإقلاعًا عنه.
{إنك كنت من الخاطئين} يعني من المذنبين، يقال لمن قصد الذنب خَطِئ، ولمن لم يقصده أخطأ، وكذلك في الصوب والصواب، قال الشاعر:
لعمرك إنما خطئي وصوبي ** عليّ وإنما أهلكت مالي

وقال من الخاطئين ولم يقل من الخاطئات لتغليب المذكر على المؤنث. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} الْآيَةَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَهِلَالِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّهُ صَبِيٌّ فِي الْمَهْدِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَعِكْرِمَةَ قَالُوا: هُوَ رَجُلٌ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إنَّ الْمَلِكَ لَمَّا رَأَى يُوسُفَ مَشْقُوقَ الْقَمِيصِ عَلَى الْبَابِ قَالَ ذَلِكَ لِابْنِ عَمٍّ لَهُ، فَقَالَ: إنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ، فَإِنَّهُ طَلَبَهَا فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دُبُرٍ، فَإِنَّهُ فَرَّ مِنْهَا وَطَلَبَتْهُ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي الْحُكْمِ بِالْعَلَامَةِ فِي اللُّقَطَةِ إذَا ادَّعَاهَا مُدَّعٍ وَوَصَفَهَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مُدَّعِي اللُّقَطَةِ إذَا وَصَفَ عَلَامَاتٍ فِيهَا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَسْتَحِقُّهَا بِالْعَلَامَةِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى دَفْعِهَا إلَيْهِ بِالْعَلَامَةِ، وَيَسَعُهُ أَنْ يَدْفَعَهَا، وَإِنْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي قِيَاسِ قَوْلِ مَالِكٍ يَسْتَحِقُّهَا بِالْعَلَامَةِ وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا إلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ فَاسْتَحَقَّهَا بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَضْمَنْ الْمُلْتَقِطُ شَيْئًا. وَقَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ اللُّصُوصُ إذَا وُجِدَ مَعَهُمْ أَمْتِعَةٌ فَجَاءَ قَوْمٌ فَادَّعَوْهَا وَلَيْسَ لَهُمْ بَيِّنَةٌ أَنَّ السُّلْطَانَ يَتَلَوَّمُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُمْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْآبِقُ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يَدْفَعُهَا إلَيْهِ بِالْعَلَامَةِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي اللَّقِيطِ إذَا ادَّعَاهُ رَجُلَانِ وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ: إنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ.